سورة النحل - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


{أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ (19) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23)} [النّحل: 16/ 17- 23].
إن خواص الألوهية: هي الخلق والإبداع، وعلم السر والعلن، والحياة الأبدية دون أن يسبق الإله بشيء، ولا ينتهي عند حد، وهذه الآيات تذكر هذه الخواص، للإدلال على عظمة الله، وأنه لا يستحق العبادة والتقديس سواه، دون ما عداه من الأصنام والأوثان وغيرها التي لا تخلق شيئا، بل هي مخلوقة، أفمن يخلق الأشياء كمن لا يخلقها ويعجز عن إيجادها، أفلا تعتبرون وتتعظون أيها الناس؟! فإن معرفة ذلك لا تحتاج إلى تدبر وتفكر ونظر. ويستمر خلق الأشياء للناس بإيجاد النعم وأنواع الإحسان، وإن أردتم أيها البشر تعداد نعم الله وحسابها، لم تستطيعوا إحصاءها وضبط عددها، فإن نعم الله كثيرة دائمة، وفضله لا ينقطع في كل دقيقة من الأحوال، وهو سبحانه كثير المغفرة يتجاوز عن السيئات وعن التقصير في شكر النعمة، رحيم بالعباد، ينعم عليهم مع استحقاقهم للحرمان بسبب جحودهم وكفرهم.
إن قدرة الله على الخلق والإبداع هي أولى خواص الإله الحق، ودليل وجود الله، والخاصية الثانية هي أن الله يعلم الضمائر والسرائر، كما يعلم الظواهر، وسيجزي كل عامل بعمله يوم القيامة، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، فهو سبحانه عالم الغيب والشهادة، والظاهر والباطن.
وأما الأصنام وأمثالها من المخلوقات، فلها ثلاثة أوصاف، هي أنها لا تستطيع خلق شيء، بل هي مخلوقة، وهي جمادات لا أرواح فيها ولا حياة لها أصلا، أما الإله فهو الحي الدائم الذي لا يطرأ عليه موت أصلا، وتلك الأصنام لا تدري متى يبعث عبدتها من القبور، ومتى تقوم الساعة، فكيف يرتجى منها نفع أو تستطيع منع ضرر ما؟! وإذا كانت الأصنام وجميع المخلوقات لا تستحق التأليه لفقدها خواص الألوهية، فإن الله تعالى هو إلهكم جميعا أيها الناس، وهو إله واحد، لا إله إلا هو، وهو المعبود الذي يستحق العبادة والطاعة بحق، ولا شريك له ولا ندّ ولا نظير، والإله يوم القيامة واحد أيضا. وفي هذا توعّد، فالذين لا يؤمنون بالآخرة وينكرون وجودها، ولا يؤمنون بوحدانية الله، قلوبهم منكرة لتوحيد الله، وهم مستكبرون عن رفض معتقدهم فيها، وترك طريقة آبائهم في عبادتها، وهم يجمعون بين التكذيب بالله تعالى وبالبعث، لأن من صدّق بالبعث من القبور، فمحال أن يكذّب بالله تبارك وتعالى.
وختم الله هذه الآيات التي تسفّه عقول المشركين وتوبّخهم على شركهم بتهديد ووعيد على أعمالهم، فقال الله: { لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} أي حقا إن ربك القدير العليم يعلم ما يسرّ هؤلاء المشركون وغيرهم وما يعلنون، ويعلم إصرارهم على كفرهم، وسيجزيهم على ذلك أتم الجزاء، إنه سبحانه يمقت ويجازي المستكبرين عن التوحيد، بل وكل مستكبر، إنه يعاقبهم ويجازيهم على أعمالهم، وقوله سبحانه: {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} وعيد عام في الكافرين والمؤمنين، يأخذ كل واحد منهم بقسطه. جاء في الحديث الذي أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم عن ابن مسعود: «لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة من كبر.».
صفات المستكبرين:
إن كل من يتنكر لعبادة الله جل جلاله، ويعرض عنها هو ممن اتصف بالاستكبار والغرور، والحماقة والجهل، وشأن المستكبرين البعد عن دائرة الحق والخروج عن دواعي المنطق والعقل، والاسترسال في الغواية والأهواء، ومصادمة الحقائق، ولو تأمل المستكبرون من كفّار مكة وأمثالهم حقيقة القرآن، وترفعوا عن الغرور، لكان خيرا لهم، ولو تفكروا في مستقبل الحياة بشيء من التعقل وبعد النظر، لبادروا إلى الإذعان لأوامر الله وعبادته وإعلان وحدانيته. قال الله تعالى مبينا أمراض هؤلاء المستكبرين وشبهاتهم الباطلة:


{وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (25) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (27) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29)} [النّحل: 16/ 24- 29].
تذكر هذه الآيات شبهات الذين لا يؤمنون بالآخرة، وينكرون النبوة، وهم مكذبون مستكبرون، والشبهة الأولى الخطيرة هي طعنهم في القرآن بأنه أساطير الأولين، أي أباطيل وترّهات القدماء. فإذا قيل لهؤلاء المتكبرين المكذبين الكافرين بالآخرة، وهم كفار مكة وأمثالهم: أي شيء أنزل ربكم؟ قالوا معرضين عن الجواب: لم ينزل شيئا، إنما هذا الكلام المتلو علينا أكاذيب وخرافات المتقدمين.
والسائل هو من بعض المشركين كالنضر بن الحارث وأمثاله من أعداء القرآن. إنهم بوصفهم القرآن بالأساطير يؤول أمرهم ويصير قولهم لتحمّل أوزارهم وآثامهم كاملة غير منقوصة يوم القيامة، وتحمل أوزار الذين يتّبعونهم جهلا بغير علم، فلا يعلمون.
أنهم وقعوا في الضلال، بتقليدهم زعماء الكفر، ألا بئس شيئا يحملونه من الذنب ذلك الذي يفعلون.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس حديثا نصه: «أيما داع دعا إلى ضلالة، فاتّبع، فإن عليه مثل أوزار من اتّبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيء، وأيما داع دعا إلى هدى، فاتّبع، فله مثل أجورهم، من غير أن ينقص من أجورهم شيء».
وهناك شبه بين الكفار القدامى والكفار الجدد في عصر النبوة، فلقد مكروا جميعا لدين الله ورسله، واحتالوا لإطفاء نور الله، فأهلكهم الله تعالى في الدنيا، بتدمير مبانيهم من قواعدها، وإسقاط السقوف عليهم من فوقهم، وإبطال كيدهم، وإحباط أعمالهم، وإطباق العذاب عليهم من كل جانب، من حيث لا يحسون بمجيئه ولا يتوقعون حدوثه، قال ابن عباس: الإشارة ب {الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} إلى نمرود الذي بنى الصرح ليصعد به إلى السماء على زعمه، فلما أفرط في علوه، وطوّله في السماء فرسخين- على ما حكى النقاش- بعث الله عليه ريحا فهدمه، وخر سقفه عليه وعلى أتباعه، وهذا أيضا يشمل جميع من كفر من الأمم المتقدمة ومكر، ونزلت به عقوبة من الله تعالى.
هذا عذابهم في الدنيا، ولهم عذاب آخر وهو أنه يوم القيامة يخزيهم، ويظهر فضائحهم، ويذلّهم إذلالا دائما، ويقول لهم الرب تبارك وتعالى تقريعا لهم وتوبيخا: { أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ} أي أين شركائي في زعمكم، أين آلهتكم التي عبدتموها من دوني وكنتم تعادون وتخاصمون المؤمنين في شأنهم؟ أحضروهم ليدفعوا عنكم العذاب.
قال العلماء المقرّون بالتوحيد لله: إن الذل والفضيحة والعذاب محيط اليوم بالكافرين الذين كفروا بالله، وأشركوا به ما لا يضرهم ولا ينفعهم. وهؤلاء الكافرون تتوفاهم الملائكة وتقبض أرواحهم، حالة كونهم ظالمي أنفسهم بالكفر والمعاصي والتعريض للعذاب، ولكن لما حضرهم الموت وعاينوا العذاب، أظهروا السمع والطاعة والانقياد قائلين: ما كنا مشركين بربنا أحدا، وما كنا نعمل شيئا من السيئات، فكذبهم الله في قولهم ورد عليهم بقوله: {بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي لقد عملتم السوء كله وأعظمه، والله عليم بأعمالكم، فلا فائدة في إنكاركم، والله يجازيكم على أعمالكم، فادخلوا أبواب جهنم للاستقرار فيها، وذوقوا عذاب إشراككم بربكم، وأنتم خالدون ماكثون فيها إلى الأبد، وساء المقر مقر دار الهون، ومقام المتكبرين عن آيات الله تعالى واتباع رسله.
صفات المتقين وجزاؤهم:
بعد أن ذكر الله تعالى صفات المكذبين بالقرآن، المستكبرين عن آياته، ذكر للمقارنة والموازنة صفات المؤمنين الذين يصدقون بالوحي الإلهي، وبالجزاء المرتقب في الدنيا والآخرة، بالإسعاد في الحياة، والظفر بمنازل الخيرات ودرجات السعادة في جنان عدن، والأشياء تتميز بأضدادها، فإذا كان جزاء المتكبرين عن عبادة الله والتصديق بما أنزل على رسله هو نيران جهنم، فإن جزاء المتقين الممتثلين أوامر الله هو نعيم الجنان، فيظهر الفرق جليا بين الفريقين، ويتميز المحسنون من الأشرار، وهذا ما أبانته الآيات التالية:


{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)} [النّحل: 16/ 30- 32].
لما وصف الله تعالى مقالة الكفار الذين قالوا عن القرآن: إنه أساطير الأولين، عادل ذلك ببيان مقالة المؤمنين أصحاب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، وأوجب لكل فريق ما يستحق، لتباين المنازل بين الكفر والإيمان.
وإذا قيل لأهل التقوى والإيمان بالله ورسوله والمحسنين أعمالهم: {ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ} قالوا: أنزل الله في الوحي على نبينا خيرا، من أحسن في الدنيا بالطاعة فله حسنة في الدنيا، ونعيم في الآخرة، بدخول الجنة، ودار الآخرة خير من دار الدنيا، ونعمت الدار دار المتقين الذين أطاعوا الله واجتنبوا نواهيه.
أخرج الإمام أحمد ومسلم عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إن الله عز وجل لا يظلم المؤمن حسنة، يثاب عليها الرزق في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيعطى بحسناته في الدنيا، فإذا لقي الله عز وجل يوم القيامة، لم تكن له حسنة يعطى بها خيرا».
والسائل للمتقين: هم الوافدون من المشركين على المسلمين في أيام المواسم والأسواق، فكان الرجل يأتي مكة، فيسأل المشركين عن محمد وأمره، فيقولون: إنه ساحر وكاهن وكذاب، فيأتي المؤمنين، ويسألهم عن محمد وما أنزل الله عليه، فيقولون: أنزل خيرا.
ثم وصف الله دار المتقين بأنها جنات عدن، أي إقامة، تجري بين أشجارها وقصورها الأنهار، ونعيمها دائم ميسّر غير ممنوع، وللمحسنين في الدنيا ما يتمنون ويطلبون في الجنات، كما قال الله تعالى: {وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ} [الزخرف: 43/ 71] وهذا جزاء التقوى والمتقين، ومثل ذلك الجزاء الطيب، يجزى الله كل من آمن به واتقاه، وتجنّب الكفر والمعاصي، وأحسن عمله، وهذا حث على ملازمة التقوى، وإغراء للمتقين بالاستزادة من أعمال الخير.
وحال المتقين عند الاحتضار أو الموت على عكس حال الكفار والمشركين، تقبض الملائكة أرواحهم طاهرين طيبين من الشرك والمعصية وكل سوء، وتسلّم عليهم الملائكة وتبشرهم بالجنة عند قبض الأرواح، تقول لهم: { سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي سلام عليكم من الله، وأمان لا خوف، وراحة لا مكروه، ادخلوا الجنة التي أعدها لكم ربكم بسبب أعمالكم الطيبة وأفعالكم الخيرة الحسنة، ولما بشرتهم الملائكة بالجنة، صارت الجنة كأنها دارهم، وكأنهم فيها، وهي خاصة بهم، لا يشاركهم فيها غيرهم، وهذا مثل الوارد في آية أخرى: {إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)} [فصّلت: 41/ 30].
وقوله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ} عبارة عن صلاح حالهم واستعدادهم للموت، وهذا بخلاف ما قال الله تعالى في الكفرة: { ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ} أي بالكفر والشرك والضلال. و(الطيب): هو الذي لا خبث معه، ومنه قوله تعالى: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ} [الزّمر: 39/ 73].
وقوله سبحانه: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} تعبير عن قانون العدل، حيث جعل الله الأعمال أمارة لإدخال العبد الجنة، ولا يتعارض هذا مع الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما: «لا يدخل أحد الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضل منه ورحمة».
فهذا تعبير عن مقتضى الرحمة التي هي فوق العدل، ومن الرحمة أن يوفق الله العبد إلى أعمال برّة.
والقصد من الحديث نفي وجوب ذلك على الله تعالى بالعقل، كما ذهب إليه فريق من المعتزلة، وإنما دخول الجنة بمحض فضل الله وإحسانه وتعميم رحمته.
تهديد المشركين بالعقاب:
لقد كان مشركو مكة في أشد حالات العناد ومقاومة دعوة الرسول، والتحدي لأمره، دون مبالاة بعذاب إلهي، أو عقاب خطير، وكأنهم لم يتعظوا بأحداث الأقوام الغابرة الذين أنزل الله بهم ألوانا من عذاب الاستئصال، للعبرة والعظة، وحاولوا تعطيل إرادتهم ودورهم في اختيار الإيمان، ونسبوا الشرك لإرادة الله، وهو مجرد وهم وافتراء، ونسبة للأمور لغير مصدرها الصحيح، وهذه آيات كريمة تصور مواقف المشركين وتماديهم في الباطل:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8